حاورته: ريتا دبابنه
أحمد يماني، شاعر ومترجم مصري، اختار الشعر طريقاً له، واستطاع أن يحفر اسمه في خارطة الشعر المصري منذ ديوانه الأول “شوارع الأبيض والأسود”، الذي لاقى احتفاء نقدياً كبيراً، هاجر إلى إسبانيا عام 2001، وحصل على الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة كومبلوتينسي في مدريد وحاز على جائزة “رامبو” عام 1991.
صدر له عدة دواوين منها: شوارع الأبيض والأسود (1995)، تحت شجرة العائلة (1998)، وردات في الرأس (2001)، أماكن خاطئة (2008)، ومنتصف الحجرات (2013). وترجمت قصائده إلى عدد من اللغات بينها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية. 24 التقاه على هامش زيارته إلى معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وكان معه هذا الحوار.
صدر لك مؤخراً ديوان “منتصف الحجرات”، وهو يبدو مختلفاً عن تجربتك في دواوينك السابقة، دعنا نتحدث عن دلالة العنوان بالنسبة لك كشاعر؟
العنوان هو سطر في القصيدة، ربما تكون آخر قصيدة في المجموعة الشعرية المكونة عن قصيدتين طويلتين، أول قصيدة 50 مقطعاً والثانية 10 مقاطع، والعنوان من آخر مقطع في القصيدة الطويلة.
لكن اللافت في الديوان هو اهتمامك بالشكل، هل مع زيادة خبرة الشاعر في الكتابة، يكون مهتماً بكسر الطر المعتادة في الكتابة؟ وهل ترى أن شكل قصيدة النثر الحالي يمثل إعاقة لها؟
قصيدة النثر لها أشكال كثيرة وكل شاعر يختار الشكل والإيقاع المناسب له، فكرة أن يكون هناك قصدية في التعامل مع قصيدة النثر ربما يكون سابقاً على الكتابة، أو ربما تكون أفكار معينة عن الشعر، فيظهر ذلك في الكتابة، لكن لحظة الكتابة نفسها لا يكون هذا هو الهم الأساسي، يمكن أن يكون وعياً سابقاً ويخرج تلقائياً في لحظة الكتابة.
في الجزء الثاني من الديوان، هناك مشاعر للفقد، والفجيعة، والرثاء، ربما كنت تقصد بها صديقك الشاعر الراحل أسامة الدناصوري، لكن السؤال هنا، أن هذه المشاعر موجودة بشكل أكبر في النصف الأول من الديوان، هل يصبح الشعر في مرحلة ما من كتابته، مرثية للذات؟
لا أريد أن أقارن بين جزئي الديوان، فالجزء الأول كان عبارة عن تجربة حب كاملة وانتهت، فكانت القصائد محاولة لفهم ما حدث، بينما القصيدة الثانية من الديوان، لم أذكر فيها اسم “أسامة”، لكن كان معروفاً أنني أكتب عن أسامة صديقي وكان واضحاً، ولم أكن أفكر في رثاء، لم أكتب عن أسامة ولا كلمة، وكنت أرى أنني أكتب عنه قصائد وليس شهادة أو كلاماً نثرياً عن صداقتنا، ودائماً عندما أفكر في أسامة أفعل ذلك شعرياً، لكني لا أعتبرها قصيدة رثاء، كانت محاولة لرؤيته بشكل ما.
أنت من الجيل الذي قاد التحول الكبير في “قصيدة النثر” في مصر، كيف تراها الآن، وهل تواكب نظيرتها العربية والعالمية؟
لم نقم بتحول كبير، لكنها خبرات متراكمة لأجيال كثيرة، وكل فرد في جيله ساهم بطريقة ما في صنع هذه القصيدة، لكنني أتحفظ على كلمة “قصيدة النثر”.
لماذا؟
لأنها أصبحت كلمة بلا معنى، ولأنه يفهم من قصيدة النثر في العالم العربي أنها القصيدة التي بلا وزن، لكن في الحقيقة، ما يكتب تحت السطور الشعرية يسمى الشعر الحر غير الموزون، لأن هناك الشعر الحر الموزون الذي نسميه في العالم العربي “التفعيلة”، وهناك الشعر الحر غير الموزون، وهناك قصيدة النثر المقصود بها “الكتلة النثرية”، وهذا في كل العالم. لكن نحن نتصور في العالم العربي أن القصيدة التي تكون على شكل سطور هي قصيدة نثر، وهذا كلام ليس له علاقة بالحقيقة.
مع إقامتك الطويلة في إسبانيا، هل تغيرت نظرتك للقصيدة، وهل تعتقد أن هذا جعلها مختلفة قليلاً عن مجايليك، وكتابها في مصر؟
ربما في البداية لم أكن واعياً بالتغير الذي يمكن أن يحدث في قصيدتي بانتقالي إلى الحياة في إسبانيا والتعرف على لغة أخرى، والعمل في الترجمة، لكن مع الوقت، حدث لي نوع من العلاقة مع اللغة الأخرى والمكان الآخر، وهذا بدأت أدركه مؤخراً وهو ما يظهر في ديواني قبل الأخير “أماكن خاطئة”، فكل قصائده مكتوبة في إسبانيا، كما أن كل القصائد لها علاقة بالمكان هناك والمكان في مصر، أي حوار بين مكانين. لكن في ديواني الأخير، أصبح هناك وعي بأنني أريد أن أفعل شيئاً مختلفاً عما فعلته سابقاً.
تنتمي شعرياً إلى جيل التسعينيات في مصر، والملاحظ أن معظم شعراء هذا الجيل هاجروا، مثلك، وإيمان مرسال، وياسر عبد اللطيف، هل بهذا المعنى نحن أمام جيل جديد من “شعراء المهجر” المصريين؟
لا أتصور أننا شعراء مهجر، نحن شعراء نعيش في بلدان أخرى، لأنه لا يوجد لدينا هذا الخيال أو التصور أننا نعيش في المهجر أو التجمع الشعري المقصود، لا يوجد مفهوم فكرة المنفى أو المهجر لدينا، بل نحن مهاجرون برغبتنا، لم نُدفع إلى الهجرة، وبهذا المعنى لا يوجد هذا الإحساس بالمنفى.
أنت تترجم الشعر عن الإسبانية، كيف ترى حركة ترجمة الشعر من الإسبانية إلى العربية، وما سبب النقص فيها؟ ولماذا تركز في معظم ترجماتك على الشباب؟
أنا أفضل أن أترجم للشعراء الذين أعرفهم شخصياً، وأن أنقل ما يحدث الآن في إسبانيا أو في أمريكا اللاتينية للعرب، لكني أترجم لشعراء كبار رحلوا مثل روبين دارييو وسيسار باييخو، وأيضاً في الشعر الحالي أترجم للشاعر الكبير أنخل غيندا. كما أن الشعر الإسباني به أشياء قريبة منا، ليس بسبب القرب اللغوي، بل لأن تفاصيل الحياة متشابهة أيضاً.
أخيراً، ما جديد أحمد يماني؟
لدي ديوان، لكنني لا أفكر أن أنشره الآن، ليس لدي رغبة بالنشر. هناك بعض الكتابات العادية، لكن ليس لدي مشاريع كبيرة حتى الآن.
…………..
*نشر في موقع 24 الإماراتي