الشعر في الأماكن الخاطئة

غربة أحمد يماني
ديسمبر 14, 2017
يماني يتعلم الكلام
ديسمبر 14, 2017

حسن عبد الموجود

يذهب أحمد يماني في ديوانه الجديد “أماكن خاطئة” إلى الشعر حيث يكون، في أجواء تبدو مدينية أحيانا وقروية أحيانا، وداخل غرف لا نعرف أماكنها بالعالم مرة ثالثة.

المجاز عنده هو مجاز الحكايات، والشعر تصنعه غرابة المواقف والمشاهد التي يرصدها، الشعر في ديوانه يتولد بقدرة حكّاء كبير، يختار من العالم مساحات صغيرة كافية لتفجير الدهشة، مع أن العالم أحيانا لا يتجاوز الدماغ:

 “أردت أن أصغر كل شيء،

مدينة بكاملها تصير غرفة،

بلادي كبسولات أبلعها قبل النوم،

وبلاد الآخرين حبىة طماطم آكلها على مرتين”.

كما أنه يقوم بتوظيف التاريخ لخدمة أحداث صغيرة، فهو يستعير حادثة تعامد الشمس مرتين على وجه رمسيس الثاني ليحولها إلى حادثة تخص شخصا عاديا:

من كوة في الحائط

ينسل خيط الشمس مرتين في العام

لينير وجه الأب الممد على الكنبة

مرة يوم زواجه

ومرة يوم عمله بالحكومة.

يضم الديوان عددا كبيرا من القصائد القصيرة جدا، كل منها يعتمد بشكل أساسي على السرد، ولكنها النهايات تكون دائما مفاجئة، بمعنى أن يماني يكسر توقعاتنا طوال الوقت، في قصيدة “سيموني” ثمة من يخاطب أنثى ويشرح لها عنوانا لشخص، يطلب منها أن تصعد إلى شقته في الدور الثالث، أن تتجاهل حارس البوابة، ولكنه سيطلب منها أيضا: “لتنحني قليلا، كي يبزغ نهداك الرهيفان، المنفصلان عن حوضك العظيم، الواسع المدرو، انحنى قليلا ودي يد أسامة تلامسه، سيفرح وستفرحين”.

وهناك حالة نوستالجيا تظهر في عدد بسيط من القصائد، نشعر بها حينما تسيطر علينا الأسئلة: لماذا لا نوجد بجوار من كنا معهم بالأمس؟ لماذا نوجد دائما في الأماكن الخاطئة؟ ولماذا تتغير الحياة إلى ما لا نرغبه؟: “في تلك الليلة ظللت أتضرع لإله قريب من بيتك أن يوقظك من النوم، أن يسرّب رائحتي لأنفك وأن ينقط عليك عرقا ودموعا صغيرة، وأن تهبي من النوم فجأة متحسسة السرير، باحثة عن ذراعي التي امتدت رأسك عليها في الصباح الفائت، الفائت منذ زمن”.

نحن أيضا في هذا العالم لا نعرف موضع خطواتنا، قد نترك ما يدل على الطريق غير أن هناك من يزيل العلامات: ” يحمل رغيفا ويمضي، في كل خطوة يرمي قطعة منه كي تدله على الطريق. لا يعرف أين يذهب، لكن قطع الخبز تقوده. الرغيف انتهى ما وصل. حاول العودة متتبعا فتات الخبز، لكن الطيور كانت سبّاقة”.

وأخيرا فإن الصورة في الديوان تستمد حضورها من وضوح الألوان، العالم والأشخاص مرسومون بضربات ثقيلة لفرشاة ألوان: “حضراتكم أيها السادة ملونون، يولد الواحد فيكم بلون ورديّ ثم يبيضّ تدريجيا فإذا ما كبر وخجل احمرّ وجهه وكذلك إذا احتد أو شرب الخمر، والصفار شائع عند المرض، حتى إذا ما اختنق يكون بنفسجيا، وعندما ينتهي كل شيء ستجد الزرقة مكانها على جلده. أما أنا فأنا أسود، دائما أسود. عن أية ألوان يتحدث هؤلاء الملونون؟”.

ــــــــــــــــــــــــــ

جريدة أخبار الأدب 22/02/2009