parallax background

وردات في الرأس

أماكن خاطئة
يوليو 6, 2016
تحت شجرة العائلة
ديسمبر 9, 2017

ـ وردات في الرأس، دار ميريت 2001


ـ وردات في الرأس، دار ميريت 2001.

ـ وردات في الرأس، دار ميريت 2001

 

قدر الغرف

منذ أعوام

والغرفة كما هي

ربما انضافت لوحة الى الحائط

ربما انتزع مسمار وأُغلق مكانه بالجبس

السريرُ

لم يتحرك حركة واحدة

مازال يحتل القطعة المسموح بها

كان يجب أن يطير إلى الشارع

تحت الرطوبة و الشمس والأمطار

كنعش رجل صالح يستعجل التراب

أن تتناوبه الأجساد الغريبة

أن يكون مرتعاً للعشاق

وهم يسحبونه تحت ظلال البيوت

وبين الأشجار

أن يصبح قطعاً معدنية ملفقة بجانب بعضها

تصلح سياجاً لحديقة بيت قديم

نافذةً

تطل على نهر بقوارب و أسماك حقيقية

أو باباً في حارة ضيقة

يصفعه الأولاد طيلة النهار

كأنهم يختبرون فيه صلابة البيت

يختبرون سرير أحلامي

وحياتي المهملة على ملله الخشبية.

حفلة الاستقبال

أمام التلفزيون الباهت

الذي يشبه شباك المطبخ

يتكوم الرجل مع بعض زجاجات بيرة نفدت كلها

لا يتحرك يميناً ولا شمالاً

كل خمس دقاىق تفاجئه رعشة قصيرة

يده على الريموت و الصوت مغلق

الشاشة لا تدخل حيز رؤيته

لكنه يستمر في التنقل بين القنوات

الرعشة الأخيرة أطفات الجهاز.

الغرفة تزداد ضيقاً

والليل لا يكاد ينقضي.

في الثامنة صباحاً

كانوا أخبروه باستغنائهم عنه

في التاسعة غادر المبنى

بعدما وقع آخر ورقة.

منذ عشرين عاماً

لم ير الظهيرة في الميدان الكبير

المقاعد الخشبية مستوية تماماً

و تبعث برودة خفيفة.

لاحق بعينيه فراشة

لم يستطع أحد الأطفال إمساكها.

في الشارع كان يلوي رقبته

وكلما تقدم خطوة

ترك وراءه قطعة من الخبز

ربما يرجع مرة أخرى.

احتكت قدماه بثلاث صفائح قديمة

لكن الأفكار التي جاهد كثيراً في تثبيتها

على جانب واحد في رأسه

كانت تتطاير كالذئاب

حول أذنيه و عينيه

حتى أنه خبط دماغه مرات في عمود الإنارة

وخزها بدبوس

صب عليها كميات من الماء المثلج

و الذباب كان يفور أكثر وأكثر

كان يجذب عينينه إلى الخارج

كان يطقطق تحت أسنانه

و بالطبع كان ينتظربأعداد رهيبة فوق الوسادة.

الأيام الخوالي

الملابس التي أهداها صديقي لي

إثر عودته من الخارج

و التي أكد أنها من الدرجة الأولى

-رغم شرائه لها من سوق الأدوات المستعملة-

وأنها ستصاحبني لفترات طويلة كمبرر لجودتها.

الملابس هذه أصبحت لي

بعدما طوعتها لمقاساتي

وأخرجت أصحابها القدامى ببطء شديد من تحت أنسجتها

هي أيضاً صاحبتني كثيراً كما تنبأ الصديق

إذ شهدت ثلاث علاقات قوية

وأكدت الثلاث نساء أنها من الدرحة الأولى

بعد نظرة إعجاب تخلفها قبلةٌ فورية.

اليوم رأيت صديقي

الذي لم يعد صديقي على أية حال

كانت نظرة خاطفة ومشيت

بالملابس نفسها التي أهداها لي يوماً

و التي من المؤكد أنه هو نفسه نسيها

إذ لم تخترق ظهري أية نظرات

من ذلك النوع المصاحب لهذه المواقف

كما انتنى البنطلون كالمعتاد عند جلوسي على الكرسي

وهفهف القميص مرتاحاً على جسدي

وازدادت كل الملابس تألقاً في اليوم التالي.

أماكن أخرى

الشرطي الذي أعطى روكي دالتون

-من خلال القضبان-

خمسة و عشرين سنتافو

ليشتري لنفسه سجائر ضد اليأس

لم يدر أنه ألقى بالنقود إلى شاعر

سيهديه يوماً إحدى كتبه

دون حتى أن يعرف اسمه

الشرطي الذي عاد إلى بيته لينام مع زوجته

وصباح اليوم التالي

ركل لصاً صغيراً نان أثناء التحقيق

لم يعرف القصائد أبداً

لكنه يعرف السجائر و اليأس

حينما جلبوه من قريته البعيدة

ليضرب الجميع بيد من حديد.

لو أنه ظل هناك تحت السماء الواسعة و الأمطار

لكان كتب بعض القصائد تمجيداً للريف

ولكانت نشرت في جريدة محلية

ولكان رأى الحانة وأماكن أخرى

وتجرأ على قصائد كبيرة تمجد الحياة كل الحياة

ونام مع الشاعر في زنزانة واحدة

بكثير من اليأس،

ودون سنتافو واحد تكفي مبادلته بسيجارة.

وساعتها كان سيأتي شرطي آخر

-نزعوه من قريته البعيدة-

ليلقي بخمسين سنتافو من خلال القضبان

ليدخن الشاعران

ويوماً بعد آخر ستمتلئ الزنزانة تماماً بكل الشعراء

وعندها سيتوقف الشرطي الأخيرعن كتابة قصائد ضد اليأس وسيكتفي بركلة الصباح الموجهة بدقة لمؤخرة اللص الصغير

الذي أصابته الإغفاءة المدمرة أثناء التحقيق معه…

فمكِ

فمكِ الذي حمل

شفاها استثنائية

حمل ماء وطعاماً وكلمات ضاعت في الهواء

وأخرى بقيت في خشب السرير

حمل صمتاً مراًّ ساعة الدمع

وصمتاً

ناعماً في القيلولة

حمل ضحكات طويلة ومتقطعة

ابتسامات صفراء وخضراء

حمل المضمضة، المعجون وفرشة الأسنان

حمل جسدي قطعة قطعة.

فمك هذا كان يتساقط داخلياً

يتقوض من تلقاء نفسه،

اللسان في دوره الأكمل،

الأسنان مصفوفة كما هي دائماً

اللعاب يرطب السقف و الأرضية

لكن فمك يتساقط

مخلفاً وراءه غباراً

يمر على المائدة إلى السجادة

حتى السرير المنكفئ على الأرض إلى فمك مرة أخرى

غبار مدينة فرَّساكنوها أو ربما لم يدخلوها أساساً.

فمك العظيم الذي لن يكتشف أحد سقوطه

سيحدثني اليوم بصوت مكتوم عن المسامير الكثيرة بين الضروس

عن دم متجلط وآخر حي

عن لسان مشقوق نصفين واعوجاج لا يظهر في المرآة

سيحدثني فماً لفم

كما هو جدير بأفواهٍ ساقطة أن تتسند على بعضها.

الكلمات المناسبة أحيانا

 

إلى بشير السباعي

كلنا يضحك على صورته في السادسة بجانب أمه

يدها على رأس الطفل القريب من الأرض

وقدمه تدوس نملة عابرة.

أحيانا يتمدد الولد حتى يجاوز الأم

ويده على كتفها

قد يبكي في الصورة أو بعدها

في الصباح أو في الليل

يفتح فمه

يخرج سريعاً من الكادر

يرتمي على قدم المصور ينهشها

فتهتز الصورة

هي هكذا أفضل

باهتزازها الحقيقي لن تدع أي مجال للضحك

باختلاط أبيضها بأسودها

بأيامها الماضية

الأيام البعيدة التي تشققها وتقوسها

ثم تأكل منها يومياً

قطعة في حجم حبة الفول.

الجدة التي لم تكن في الصورة أبدا

تؤكد أن الولد ينمو-كل يوم- قدر حبة قمح

و البنت قدر حبة فول

كل ولد وكل بنت.

البنت المعلقة في إطار خشبي

يقطع طرفيه شريط من الساتان الأسود

على الجانب الأيسر

وفستانها الأبيض خيطت أطرافه

بورود صفراء بينما كانت قدمها

اليمنى تحاول الخروج سريعاً من

الكادر.

رحلات يومية

الحديقة بجانب البحر

يذهب إليها واحد

يتمرغ على عشبها المبلول

يقطف وردة وينثرها فوق جسمه.

البحر بجانب الحديقة

ينزل إليه واحد

يأخذ أسماكاً

ويحفر في الرمل ليضعها هناك

ويعود ثانية لصب المياه فوقها.

القرية بجانب الحديقة و البحر يدخلها واحد

محاطاً بعيون لامعة لنساء برونزيات

يمشي في شارع السوق

يختار واحدة يتبعها طوال النهار

حتى يقبلها أسفل منزلها

يتمرغان على العشب المبلول

يأخذان أسماكاً و مياهاً يخفونها في الرمال.

عربة مسرعة خرجت من القرية

مرت على الحديقة وبمحادات البحر كان طريقها

في العربة رجل

ابتسم للجميع

لوحوا له وعادوا لأشغالهم

العربة مسرعة تماماً

والرجل القابع داخلها يحاول إيقافها

وهي تمضي في طريقها حاول أن يشم الوردة

أن يأكل الأسماك

أن يبلل وجهه

حاول جذب الرمال المتطايرة

حاول أن يوقف العربة

وكانت تمضي بمحاذاة بحر لا ينتهي.

عام سعيد

يمكن أن يكون العام سعيداً

فالحرب لم تكن قريبة لدرجة اللجوء لمخبأ

و القنبلة التي انحدرت من هناك

لم تنفجر ناحية البيت

إلا أن غبارها طال زجاج غرفة النوم

ومسحته الأم صباحاً بفوطة مبللة

عندما عاد الأب بقدمين أكبر من فخذ خنزير

وقطعة نحاس في مؤخرة الرأس

وتنبيه طبي بعدم إزعاجه

كي تنعم الطلقة في سريرها الصغير.

الأب صرخ عدة مرات قبل الفجر

رأى كشافاً مر على البيت

واستقر لثانية على وجهه

قبل أن يعالجه بحجر

التقطه يوماً من خارج المعسكر

كان يضعه تحت لسانه

حين تشح المياه

ويدحرجه كبلية حين يتوقف الإشتباك

وربما فكر أن يقذف به رأس ذلك الجندي قريب المنال

لكن الطلقة أسرع كما يعلم الجميع

والنافورة المنبثقة فجأة

لا يعادلها لسعة حجر

أقصى ما تأتي به الدوار.

من جانبه لم يخيب الحجر آماله

أطفأ الكشاف بلمسة بسيطة

دمر له آخر صورة للمعركة

وحيث اختفى الحجر اختفت الحرب

تناثر مع زجاج الكشاف

الذي لم يأت متجسساً

كان في يد عامل إصلاح الطريق

حتى لم يكن في يد الشرطي على وجه اللص

والكلاب تتأهب لنهش جثته.

لم يصب أحد بسوء هذه المرة

فقط انطفأ ضوء واختفى حجر

سيكون عاماً سعيداً إذن

بإشغالات عادية في الطريق

دون قنابل

دون اللص و الكلاب

دون مخبأ

أو حتى فخذ خنزير في حذاء الأب.

وردة في ثلاجة

إلى مجدي الجابري

الرياح تتهادى من بعيد

الوردة على قمة الشجرة

الشجرة غائصة بنعومة في الأرض

الأرض تنام مع المياه -الجذور بينهما المياه تصعد للوردة

الوردة تنتفض قليلاً وتصحو من النوم

قدم ثقيلة فوق الأرض

تحكُّ منبت الشجرة فيميل

ثقيلة أكثر فينقطع جذر وراء الآخر

المياه تهبط من الوردة

الوردة تنام ثانية

وهذه المرة دون أحلام.

الوردة ذهبت إلى الثلاجة

ذهبنا وراءها

كان الباب مغلقاً

ستظل طرية طوال الليل

بعض رائحتها تسرب

أخذنا أنفاساً متلاحقة

انطفأ النور

أغمضنا أعيننا أكثر

ظللنا حتى الصباح

في هذه الحديقة بأنفاس معطرة

تنتظر أن يفتح الباب

ليمد كل واحد عينيه

ويرى الوردة ممددة و طرية بانتظاره.

العظام القديمة لا تشبه الغربال

الظلام ليس بارداً

حبوب اللقاح لن تصير وردة جديدة

القمر غير باهت في هذه الناحية

كما أشيع

النوافذ…عفواً لا توجد نواذ

الباب فقط يفتع عدة مرات عند الحاجة.

التراب هنا كالرمل يلمع قليلاً

العشب يمكن أن ينمو تحت الوردة

التي اختارت أن تكون في أقصى اليمين

الآخرون لا يغيرون مواضعهم

الأحجار الصغيرة ذابت تحت الرءوس

الوردة لا ترغب أن تكون في الوسط لتنشر عطرها الجديد بجانب الحائط تزرع نفسها ببطء

بعيداً عن كل هذا الهواء

القادر على اقتلاع شجرة كافور.

الصمت أروع شيئ داخل الحديقة

هناك أصوات لكنها صامتة

ما أن تدخل حتى تصمت من نفسها

على الأقل هناك عشرون كلباً وربما ذئب أو اثنان

هناك الريح تعبث بالشجر

ونقرة المطرصباحاً على السطح

لماذا يأتي الزائرون إذن

باكين و ضاحكين

صامتين و ثرثارين

طيبين وأشرار؟

المرمى الخالي

السائر تحت البلكونات، يعرف

أن قدميه ستتوقفان بعد خمسة

أيام، يرمي نظرات منقطعة على

حذائه الجديد وتختفي قطعة النقد

التي احتفظ بها بين إصبعين.

سأعود إلى نفس المائذة

لن يلحظ أحد التجعيدة العاشرة أسفل الجفن

ولن أمعن نظري في شعيراتهم الملونة

حبيبتي ستنام كل الأعوام القادمة

مثلما اتفقنا

وستصحو منتفخة العينين قليلاً.

البيت يمكن إعادة طلائه

وفتح ستائره أمام حفنة من زهور و شعاعات.

الأب والأم المنتظران بشغف مكالمة تليفونية

أو خمس دقائق من الجلوس بينهما

قد لا ينتظران كثيراً

سيتركان رسالة ورائحة على الكنبة

ولن يلحقا بي هناك

إذ أخدم في منطقة بعيدة.

سأعود إلى نفس المائدة

كثيرون عادوا من قلبي

طيوراً وأشجاراً

قذيفة مدفع أو سرير

ليس السرير كله

ربما الملة أو القائم الخلفي.

أحدهم عاد سمكة صغيرة

ثم سِنَّة لسمكة أكبر

أحدهم كان موجة تدفع السمكة

لكن أكثرهم شجاعة كان نفساً واحداً لحبيبة في فم حبيبها

والذين فضلوا البقاء عادوا أيضاً

في موتور سيارة

أو لإضاءة قرية بعيدة عن مرمى الحياة.

الجميع عادوا

وأنا حتماً سأعود إلى نفس المائدة.

دقيقة حداد

كلُّ على حدة

سيحاول مخلصاً

أن يجمع ملامح الوجه كلها دفعة واحدة

لكن قد تهرب العين

الأنف

الإبتسامة

تكشيرة الحاجبين

وقد يصبح الوجه كله

مجرد نقطة مضيئة في آخر السرادق

سرعان ما تمحوها الأنوار العالية

فدقيقة الحداد

كما هو حاصل دائماً

لا تتجاوز العشرين ثانية.

زهور صغيرة فوق الموتى الأعزاء

هذا الشارع الطويل، تعبره بنصف عين تغمضها

عمداً، حتى يمكنك في لحظة مواتية أن تلمح شيئاً

جديداً، إعلان نيون مضاء باسم غريب لأحد الأطباء، تردده أياماً وتنساه، تراكم أتربة أحال لون أحد

المباني، المبنى نفسه وقد زاد دوراً أو اثنين، نافذة مفتوحة على امرأة لا تميز وجهها. دائماً نصف عين في الصباح وآخر النهار مكوماً على المقعد الخلفي

لعربة أحدهم، القلب ينزل بضعة سنتيمترات إلى الأسفل، كأنه على وشك السقوط نهائياً داخل القدم، كما تتقوس سلسلة الظهر لتنكفئ الرأس على الصدر ناحية الكتف اليمنى، النَّفَسُ يجذب كل شئ في طريقه عدا الأكسجين، النفس السريع المصحوب باحتضار لا

ينتهي.

نصف العين مفتوحة دائما لأعلى، لأن في سنوات

سابقة استنفدت لون الحذاء ودقاته فوق الأرض، تَغَيُّرَ لونه الذي يبدأ في منتصف الشارع مع برك المياه الصغيرة والحصى الذي يحتاج لجيوش من أمثالك

أدمنت على ركله، الشارع كان طويلاً فعلاً ونظرة فاحصة لعدة أيام كانت ستطبعه للأبد داخل الرأس.

إذن والأيام الباقية كيف كانت ستمر؟ كل يوم ذهاب وعودة وحمل شيئ خفيف من ذكريات النهار تلقيه في شنطة أعددتها خصيصا لذلك مع بقية إخوته الذين يتكومون فوق بعضهم، محتفظين بهذه الحركة الساخنة التي انطلقت دون توقف، وأنت تفتح شنطة الأشياء

بعدما تعتقت ليجرح الهواء أنفاسها، تاركاً إياها على البلاط البارد لأول شارع بوسط المدينة، بعدما سجلت كل شئ على ورق خفيف تتركه مبعثرا، ربما وجده واحد مثلك تعوَّد على عبور شارع طويل يومياً.

ثم الرقص مع أناس غرباء, يزينون وجوههم

بمساحيق ثقيلة، تاركين للعرق آخر لمسة للوحاتهم الزيتية، تنظر للوجوه ولا تلمسها، تعرفها، لاتضحك

منها ولا عليها، تتابع فقط كيف يصبح الوجه لوحة متحركة، وأنت تريد أن تهتز، أن ترى دمك يطير في رحلات داخلية مغيراً أماكنه المعتادة، صحيح أنه لن يغادرك، لكنه حر في شرايينه وأوردته وربما أفسحت

له ثقباً صغيراً لتخرج دفعة قليلة إلى الدنيا، الدخان

أيضاً كثيف من أنفك وفمك، هالة محكمة حولك،

وبعدما  تطمئن لحرية دمك يهتز وسطك مع انفراجة الساقين، بعدها يصبح الرقص حربة بطول جسمك لتنتفض وتقفز عالياً وتنبطح أرضاً، طوال الليلة تلمس سقف الحجرة ببلاطها في حركة واحدة.

وبينما كانت أجساد أخرى تقترب ازدادت الهالة

إحكاماً وكان الضباب قد وصل إلى العينين وعندما اخترق أحدهم السياج بقفزة واحدة، كانت الحربة

تلصقه بالسقف والرقص ينتهي وعندما أردت العودة كان البيت مغلقاً، درت حوله مرة واثنين على أمل انفراجة قريبة وهو يزداد انغلاقاً في الأبواب

والشبابيك وأنت تندفع بالكتلة العضلية والعظمية، بكل دمائك لينفتح الباب، لكن الغرف مغلقة بالداخل، أنت

لك غرفة وحيدة هنا منعزلة بعض الشيئ، دخلتها

طوال عمرك وأية كتل عظلية وعظيمة، أية دماء لن تفلح في زحزحة الباب مليمتراً واحداً، هناك الحديقة الخلفية مازالت متسعة كما ترى، أنت لم تجرب ذلك

أبداً، مد قدميك إليها، مرغ جسدك على عشبها

المبلول، ضع رأسك على جذع شجرة، أنت لا تحتاج أكثر من ذلك، وحينما تصبح البرودة هي الغطاء لعظامك، انبش التراب بأظافرك، لن يستغرق الأمر كثيراً.

كل حفنة انثرها على امتداد ذراعك، واجعل الحفرة مناسبة تماماً لأطراف مستريحة، لا تغط وجهك لا تستر أعضاءك، إنك لن تصبح شجرة تحتاج لجذور مخفية، ربما تصير شيئا آخر، حجراً مهملاً على عتبة بيت، أو حفنة تراب ينثرها واحدُ ذات مساء بارد،

لكنك أبداً لن تصبح شجرة، الأشجار حنونة بأكثر مما ينبغي وأنت نفسك أسندتَ رأسك إلى جذعها والأدهى

أنها تفرش كل المقبرة وتسقط زهوراً صغيرة فوق الموتى الأعزاء. الحفرة دافئة، ملابس السهرة البيضاء محكمة حول الجسم يمكنك الآن أن تنام، يمكنك أن تصحو، تحت السماء الواسعة، تحت العصافير تحت هذه الشجرة التي يوماً ما ستغطيك بكل زهورها الصغيرة.

هل ستبكين لأجله؟

لا يستطيع جذب انتباهك للحظة

مع أن شرفته لا تبتعد عنك

بأكثر من مترين

إنه لايجذب حتى انتباه عصفور

يمر أمامه ويبقى مئات المرات دون إزعاج

ليس موجوداً إذن

فما الضامن لوجوده إذا كانت أنفاسه

لا تحرك لهب الشمعة الوحيدة أمام سريره

وقدمه كلما وطئت أرضاً لا يخرج صوت

أي صوت ينبئ عن ثقل قدمين.

ربما كان ميتاً

وروحه تحوم حول البيوت والأصدقاء

تذهب في رحلات قصيرة و تعود

هي الأخرى تنكمش يوماً بعد يوم

حتى تصير نقطة سوداء في جبين العالم

سرعان ما ستزول

إذ لن تستطيع أن تصبح مجرد ألم

يؤرق هذه الرأس الكبيرة.

مع ذلك حاولي بإخلاص أشد

ألا ترى الشرفة فارغة

ليكن ذلك في قلبك أولاً

وبعدما ستجدين عينيه على الشرفة

شاخصة إليك

انظري إليه أحبيه

رددي يوماً بعد يوم

إنه هو من تحبه نفسك

ولا تسألي أبداً ما الحب.

وعندما تخرجين الى الشارع

اجعلي أصابع يدك اليمنى منفرجة

تاركةً مساحة بجانبك على الرصيف تناسب قدميه

سيحكي لك كل شئ

في الحدائق العامة

على سلم بيتك القديم

في غرفة نومك إن شئتِ

لكن ساعتها

دعيه يقترب قليلاً

بللي شفتيك

والباب أغلقيه جيداً.

على قيد الحياة

كان الأفضل أن تكون في الخامسة

كنت على الأقل

لن ترى الكثيرين مأخوذين الى هناك

وساعتها كنت ستحدس أنَّكَ ذاهب الى المدرسة

وأن تقاليد اليوم الأول تفترض ذهاب التلاميذ

محمولين ونائمين قليلاً في زيهم الأبيض

وأن هناك تلاميذ وصلوا مبكراً

ممددين بجانب بعضهم في انتظار الحصة الأولى.

لكن الخامسة ليست بالوقت المناسب

كي تشم التراب جيداً

حتى في المرات القليلة التي انكفأت فيها على وجهك

كانوا يرفعونك بعيداً عنه

ولا تجادل بأن أختك وضعته على جرح القدم اليمنى

بعدما بللته بلعابها

وأنه تسرب الى دمك

أو تتمادى و تؤكد

أن أحجار البيت صنعت منه

و أنه أحاط حياتك القصيرة السعيدة.

قد يكون ذلك في الثانية عشرة

من شرفة مستشفى

في زيارة لقريب

وعلى مسافة طابقين

حيث توجد ثلاجة لحفظ الإنسان

والإنسان ممدد في صندوق من الصاج

بوجه أزرق

يخرجه العامل لحظات حين الطلب

وحيث يندفع من الشرفة

غبار يملأ الأنف و الفم

له اللون نفسه المصاحب للوجه المكشوف.

يمكن هبوط الطابقين

واختيار ثلاجة جميلة

لكن في الثانية عشرة الأنف ضيقة

تكتفي بسحب هواء نظيف.

في الثلاثين منتصف العمر

الخامسة والثلاثون منتصف آخر

بإمكانك إنتاج التراب داخلياً

حين تبدأ نقطة ما في جسمك بالتذمر

قد لا يعرف أحد سبب تذمرها

إلا أنها في لحظة تمددك على الظهر

تمددك وتثنيك

دون أن تجرؤ على محادثتها

وعندما تمد عينيك لتراها

ستجد آلاف الجنود

بملابس سوداء

ومصدات أحجار

وعصي كهربائية

تكفي لمسة منها للتوهان يومين

يصطفون في كردون ضيق

في المنتصف حناجر

ورايات وسكاكين مخفية تحت القمصان

ولا يُرى سوى الغبار

شهر، شهران و الغبار ينتج بكميات رائعة

الغبار يخرج من نقطة متذمرة في الداخل

على الجميع أن يأتوا ليختزنوه داخل أنوفهم

من أراد أن يذهب الآن فليذهب مطمئناً

يوجد ما يكفي للأيام القادمة.

في الأربعين

مع الذين صعدوا التل كله

ليروا المدينة

مصبوباً عليها الفجر والرماد

كانت شعيرات دقيقة

ملتصقة في عجين أقدامهم

وظلوا طوال هذه السنوات

ينزعونها بصبر وأناة

لم يكن هنالك ما يشين

إذ يصعد أحدهم

وقد تبقت شعيرات قليلة غير ملحوظة,

ليسوا راحلين

جاءوا هناك ليبقوا

ليطردوا غبار البلاد

ليعيدوا الرياح من حيث أتت

في هذه الليلة

ليلة صعودهم

لن يذهب أحد الى البيوت القديمة

سيبقى الجميع داخل أبوابهم وشوارعهم ومدنهم

ستُرمى المفاتيح في أدراج سرية

سَتُحدد فيما بعد مواسم للذهاب

في الخريف مثلاً مع الهجمة البطيئة لأحجار الصدر

لن يرى سوى سواد الليل

سواد ملابس الحفل

ستمر عربات إلى أطراف البلاد

سيمر أناس حاملين أحدهم على الأكتاف

ملقين عليه ماء الورد وواضعين قطناً في أذنيه

القهوة ستشرب بكميات وافرة

في تمثيل متقن لما يتم يومياً

وعند العودة

هو نفسه سيشرب فنجاناً مزدوجاً

سيذكر نفسه الراحلة ويبكي

في هذه اللحظة

ستبدأ الألعاب النارية

تحت القصف نخب واحد للجميع

شيوخ يمضون دون التواء واحد

فتيات ينسين آلام ظهورهن

الحوامل دون طلق يسحبن الأبناء

والأبناء دون بكاء يشيرون للأثداء

في المنتصف رجال يستعيدون أعضائهم المبثورة

يستعيدون بيوتهم و أعمالهم

وتحت قوس النصر

يمرون رافعين أصابعهم

لم ينقصوا واحداً

حتى الذي انفلتت منه صرخة منذ دقائق

وكاد أن يذهب

استطاعوا استعادته بأسنانهم

مزقوا كل ملابسه

وقطعا من وجهه

حتى عاد

الدمعات الحارة التي أغرقت الأرض

صنعوا لها بئراً دون حبل

تركوها تنشع ملحها بينها وبين نفسها

لن ينام أحد أيضاً

فربما غافل الجميع وارتاح في نومته

الليلة فقط

ليلة الأربعين

دون شوك في العظام

سيتمدد الجميع

دون أن يجدوا في الصباح

حجراً صغيراً تحت رؤوسهم.

الرحيمة

أغلقنا الباب خلفنا

تأكدنا تماما من فقدنا للمفاتيح

على النافذة وضعنا قطعة خشب كبيرة

أطفأنا جميع الأنوار

وتمددنا تحت الملاءة

صرتُ عود ثقاب مستعمل

وصارت

حفنة تراب لا تجد أية رياح تذروها.

خرجت في ثيابها البيضاء

مشت باتجاه البحر

جمعت قواقع وسمكة كبيرة

كانت تود العودة للبيت

لكن الليل أمسك بفستانها

فأطلقت السمكة للبحر

ووضعت قدميها داخل قوقعة ونامت.

في الصباح تمددت القوقعة

حتى طالت رأسها الجميل

كان وشيش البحر في أذنيها

وكانت تنام أكثر.

وراء الكلمات كانت تتمشى قليلا

تحاول رجها

الوصول إليها من الناحية الأخرى

كانت تود أن تعرف

لماذا تتجمع في حديقة

_ في حوض الزهور بالتحديد_

لماذا تنمو سريعا

ولا تنطفئ في اليوم التالي.

كان لشجرة الورد

ظل على فراشة ترتاح قليلا

الثعبان الرفيع اعتصر رحيق التويجات

جاءت سحلية ومشت

جاءت يد وهذبت الشجرة

اليد نفسها أحرقت التالف منها

الشجرة العارية ارتاحت إلى شكلها

لكن الكلمات كانت تنمو سريعا

لو تركتها لساعات أخرى

لأكلت نفسها

الرحيمة مزقتها كلها.

جئت إليك من البيت

وجئتِ إليّ من العالم

يدي على بطنك

وحبي على السرير

تشفطينه في نفس واحد

أعطيك المزيد

ويدك على عيني

لا مزيد

الدمعة تتخلل أصابعك

لا دموع

أعود إلى البيت

وتعودين إلى العالم

أنا هنا

وأنتِ هنا وهناك.

وداعا

أريد أن أقولها

تلك الكلمة الأقرب للاحتضار

التي ما إن ينطق بها

إلا وتنهمر دمعة على وجه شاحب

وساقين ترتعشان

أريد أن أقولها مرة واحدة

بصوت عميق

وعينين ثابتتين

كأنني أقول: أحبك

كأنني أقول: لنبدأ من جديد.

الليل

هذا الليل منذ متى لم يتكسر إلى قطع بحجم الليالي

كل ليلة تفرد رايتها ابتداء من الغروب

وتطويها مع الفجر

راية جديدة مع كل ليلة

نتطلع إليها بعيون أفاقت لتوها من النوم

وتنتظر في امتداد الوقت أن تنفتح تماما.

لكنه ليل حقيقي

ليل مدينة بعيدة على الحدود تنام في الثامنة مساء

ليل أجداد أمي وهم يَقتلون ويُقتلون

في حروب ساخنة لقاء ثأر أو حفنة من المال.

ليل مستقيم بطول الشارع

لا ينحني لحظة لاسترداد قطعة نقود سقطت

ليل يندفع من مواسير الغاز الطبيعي

ليلتف على كل الشقق يطوقها

لتصبح الحياة كلها في قبضته المتينة.

وفي الصباح –تلك الكلمة العزيزة-

يمد الواحد منا قدمه ليخبط حائط السرير

ويستعيد الحلم القصير الذي رأى نفسه فيه

وهو يتوه في مهرجانات نهارية مع جموع لا يميز فيها أحدا

يسير ويتعثر وعيناه وسط رأسه

والبعض يؤكد أن التجول وحده كاف في هذه اللحظات

لتشذيب الروح

وكلما سرت استطعت أن تجمع في جرابك السري

ما لا عين رأت.

لكن هذه الفتاة لا أريد أن أبكي من أجلها

بكيت كثيرا من قبل وذلك يكفي

حتى أن الدموع صارت مياها

والمياه صارت بحيرات صغيرة

تحوطني أينما ذهبت

وفي الحقيقة لم أكن أذهب

كنت تحت اللمبة لعام كامل

محاولا باستحالات معممة فهم أي شيء

حاولت أن أطير بجناحين شمعيين

الشمس نفسها تركتني أفعل

الأصدقاء ربطوني بحبل

واستعدوا بملاءة كبيرة لأسقط فوقها

لكنني لم أكن أبكي

ولم يطر جناحاي الشمعيان

كنت أربت على كتفي بكلمات من قبيل:

ماتوا يا قلبي

دون أن يعرفوا شساعتك

دون أن يخلعوا أحذيتهم ويستريحوا قليلا

جذبنا حبل مركبهم

ثبتناه بكل قوة على الشاطئ

فرشنا ظهورنا ليعبروا عليها

لكنهم يا عيني

ماتوا من غير أن يلمسوا أيدينا

ماتوا في أماكنهم

التي اتسعت فقط لموضع أقدامهم

خذوا شساعة قلبنا

خذوها معكم إلى المياه العميقة

دعوها تنبت في أرواح الحيتان

علها تكف عن انتحارها الجماعي

عل البحر ينهمر بحنان –لم نطله- على الرمال.

السمكة كانت تتقلب على الشاطئ وتقفز عاليا، أمسكتها بيد مرتعشة، كنا نرتعش نحن الاثنان وكلما حاولت أن أعيدها للماء خارت قواي وبعدما أستعيد نفسي للحظة أنجذب للغثيان مرة أخرى وأصحو والملوحة في فمي.

خذونا إلى البار إذن أيها الأصدقاء المكافحون

اغسلوا فمنا بالكحول

مرغوا رؤوسنا على الموائد

ضعوا بأنفسكم أيدينا على وجوهنا

لا تمسحوا دمعاتنا

دعوها تسقط من نفسها

اتركونا مبللين

كقطعة خبز بجانب الحائط

وعندما ننتهي عودا بنا في عربات مسرعة

ألقونا فوق الأسرّة دون أغطية

والخراطيم التي تمتد من أنوفنا إلى جنة الأكسجين

انزعوها مرة واحدة

دعونا بلا أمل واحد حقيقي

وسنعرف كيف ننجو.

في السجن كانت الحوائط عالية ومع ذلك يحني الرجل قامته لئلا يخبط السقف، في الزنزانة، في الممرات، في الحبس الانفرادي، التراب يتجمع كثيرا تحت سريره لكنه لا يزيله، تركه حتى صار كومة كبيرة وضع عليها بعض الماء، تشكل الطين في يده، صنع رجلا وامرأة متعانقين ثم طور الفكرة، صنع ترعة وغيطا مزروعا وبعض الماشية بيتا بحجرة واسعة وحمام ثم أدخل المرأة إلى البيت والرجل إلى الحقل، في المساء أعاد تعانقهما متمددين هذه المرة. في اليوم التالي جعل مساحة البيت بطول السرير واستغنى عن الرجل والمرأة وبقى وحده في بيته الطيني لا يحني قامته فقط لكنه يحني جسده كله ليتمدد مرتاحا في ظهيرة قاسية.

الجسر

نام فوقه الجنود الأستراليون والأفارقة

أثناء الحرب الثانية

الأفارقة تحديدا كانوا يزأرون طوال الليل

سمعتهم أمي

ودون أن تعرف الغابة

أكدت أنهم قادمون من هناك.

نام تحته ضفدع كبير

بدوره كان يؤرق نوم الخواجة ” جرين” صاحب

أشجار المانجو الوارفة.

كان ذلك في الأربعينيات

حينما كانت الحياة حياة

كما أكد الجميع.

الخطوات المتعاقبة

أسقطت منه لوحا رئيسيا

دون أن يظهر أي مسمار

الأقدام الحافية تعبر دون خوف.

مع الامطار

يشبه ابنة الخواجة

السمينة البيضاء

مع الرياح

هو الطفل الذي يلبس جلبابا على اللحم

في الحرارة

ساق فلاح ويديه.

كان ذلك في الأربعينيات

حينما كانت الحياة حياة.

عربات الكارو شقيقاته الصغيرات

يهدهدهن جيئة وذهابا

الدّرّاجات ليست في هذه المنزلة

فقط يؤمن لها عبورها السريع

لكنه يأس من هذا الغبار الغريب

القادم من أشياء يسمونها نارية أو بخارية

يأس حتى أسقط بنفسه

أربعة ألواح دفعة واحدة.

السبعينيات لم تكن سيئة تماما

عبرته مرات على كتف الأب

بين ذراعي الأخ في يد الأم

ومرات منفلتا

ضربت بأحجار صغيرة

بعض أشجار المانجو

صحيح أن الحجر لم يطل ثمرة واحدة

لكن هناك من تسقط من نفسها

كما أنني أحببت بنتا بيضاء

عاشت مع عائلتها

في منزل الخواجة بعد رحيله.

سنواتي العشر الأولى في السبعينيات

كافية لأن تكون لي أيام

أمصمص من أجلها شفتي

وأترحم على الحياة

حينما كانت الحياة حياة

كما أكد الجميع.

رصاصات

نقاط مراقبة على الحدود المطموسة للمدينة

بحيث لا يمكن أن تلمح عسكرياً واحداً رافعاً سلاحه الرصاصات تتطاير في كل مكان غير محدثة صوتاً

إلاّ أن الشبكات التي تتكرر طوال اليوم تُرى بوضوح حيث تمتد أسلاكٌ ضوئية سرعان ما تلتحم مع أخرى

إنها مؤكدة لاصطياد أيّ شيئ ترغب فيه

وعلى من أراد أن يعبر ارتداءَ السترة الواقية

فالحياة لن تتوقف لمجرد أن رصاصاتٍ طائشةً

تطير هنا و هناك.

ثديك الأيمن

منحتك العظيمة التي تقدمينها لمن يقدر ذلك تماماً

لمن يقبع بمحاذاة ساقك واضعاً رأسه على ركبتك

ثوبك الأصفر الذي يمكن بحركة واحدة أن تفكي

حزامه بعدها أنت وكلبك على قماش الكنبة الناعم

عيونك الحائرة و البهجة المصطنعة التي تعمُّ الغرفة الكائن الهادئ الذي يأقلم جسده تماماً مع انثناءة فخذك

إن رأسه و رقبته تدخلان المنطقة الأكثر دفئا

استقامة ساقك اليسرى مع امتداد اليد

خاتم الزواج و الستارة الحالكة

وأنا أنظر أنظر إليك وأفكر في هذه العيون الواسعة

التي تكاد تسقط من كثرة تحديقها.

أهَلْنَا التراب للتو على أمنا،أسقطناها في الحفرة بأيدينا المقبرة ليست المكان المناسب لها، أمام البيت صنعنا

قبراً خاصاً و أنبتنا فوقه شجرة ليمون قصيرة، أمنا

معنا على هذا النحو، كل ما في الأمر أنها خارج

البيت وتحت الأرض فقط.

بيتنا ليس ضيقاً أن يسع خمسة أفراد

لكننا نفضل غرفة نومها التي تطل مباشرة على شجرة الليمون، يقوم أحدنا كل صباح بإطلاق موسيقى

جنائزية ونحن ملتصقون ببعضناإ تتهدل أطرافنا

و جميعنا نحدق في نقطة غير معلومة،

نلقي بعض المياه على الشجرة و الأرضية الخشبية

نظيفة دائما، معنا مروحة لا تحرك الهواء، حوض الغسيل يكفي لخمسة رؤوس دفعة واحدة،

ننام بعرض السرير و التبول جماعيٌّ في الواحدة

صباحاً.

إذا كانت الأم في الخارج

فلماذا لا تخبط الباب ولو مرة واحدة؟

رصاصة في عظمة الحوض؛ جعلته ناتئاً من الناحية اليمنى، كل حركة تتقدم من جانب واحد وعلى الآخر اللحاق به، انتزعتُ شعرةً خبيثة من أنفي تضخمت لدرجة إعاقة التنفس أعقب ذلك نقطة دم كبيرة سقطت على ذقني. الجاكت المهترئ على الحائط لا يمكنني

حتى استخدامه لتغطية رجليّ. المنزل كبير من ورائي لكنه فارغ تماماً.

كل ليلة أعود الى المكان نفسه تحت النافذة، أفتح عينيّ على اتساعهماالأقصى وأغمضها حتى الألم,

الرصاصة التي تسبح في عظامي لا أشعر بها في

موضع معين، أتحرك معها يومياً بنصف انتباه وأعود في الليل لأتحسس نتوء الحوض ولا أقدم تعليقاً مناسباً

أو سبباً كافياً لاستمراره. أتحسسه ليس كعاشق ليس

كأم أو عامل في مصنع للصناعات الثقيلة, أتحسسه

فقط دون ماضٍ أو مستقبل دون تعاطف أو رفض

مجرد نتوء ليس أكثر.

صباح الخير

تدحرجت قطعة الطين

من ارتفاع غير مسبوق آلاف الأمتار ربما

كانت رحلة شاقة

فقدت خلالها أجزاء عزيزة

حتى استقرت في بحيرة صناعية بجانب المبنى

هناك استعادت نفسها قليلاً.

كان غريباً بداية

سقوط قطعة طين

ليس السقوط في ذاته

وإنما كيفية وصولها إلى هناك

وكيف ظلت طرية ورائعة

وفي أي ظرف تم دفعها لتهبط مجروحة؟

في المساءات المعقدة بين الخامسة و العاشرة

في انتظار لا شئ ودفع لا شئ آخر

يمكن للتجول إصابة كل العصافير بحجره الوحيد

أهم عصفور نوم الكلمات الهادئة

لأنها في الثانية عشر تبدأ في الإفاقة والتزاحم

حتى أنها أحياناً تصبح أصواتاً فقط

عاليةً و مدببة لنزع شوكة داخلية هائلة

أو جلب شوكات صغيرة تتربى إلى أن تنزع غليظة.

التجول أتاح كل شئ

السقوط وإعادة التوازن في البحيرة

والأصابع التي التقطت القطعة دون مجهود يذكر.

حظها عظيم هذه القطعة

أخواتها سقطن من مدن مدمرة

من زلازل وبراكين

وانفجارات نباتية

أطاح بهن الهواء والنيران والأقدام الثقيلة

وهي سقطت هنا.

الأصابع أيضاً مدربة

تعرف القطع النادرة

تحنو عليها كما يفعل متمرس بقطعة حشيش

يدفئها لساعات في تجاويف اليد حتى تنضح تماماً

تكفي لمسة بسيطة لإطلاقها

لابد من وجود هذه الأصابع إذن

وإلا كيف سَيُعرف العدو من الصديق

و الطائرُ من رفرف سيارة.

الأصابع تغط وتحنو

هنا تحب أكثر وهناك تقطع دون رحمة

هناك لون أحمر وهنا دعامات حجرية

هنا تخطيط للوحة وهناك هيكل حقيقي

ينمو وينمو حتى يصير بيتاً

أو فتاة في العشرين

ربما صار حديقة حيوان

أو غابة مفتوحة

حتى يمكن أن يكون بحرا

مادام يحتفظ برمال تحيط أطرافه.

سقطت القطعة

فتشوا فيها

فعلوا كل شئ

لتصبح رجلاً في الثلاثين

هكذا بدأوا معه

نحُّوا الولادة الطبيعية والقيصرية

ولم يضعوا شيئاً مكانها

نحُّوا السنوات الأولى للدراسة

ووضعوا مكانها قلباً مضيئاً

الصبي لا يحتاج إلاَّ لدماء حارة

وضعوا الدماء الحارة

و الفتيات؟

زرعوا وردات في رأسه

تفوح كلما مرَّ على مدرسة ثانوية

العائلة بتفصيلاتها: ثبتوا على ساعده ساعة

بشاشة واضحة لأناس يشبهونه بعض الشئ

ينظر إليها كلما شعر بالوحدة.

وهنا بدا أن بإمكانه أن يسير

دحرجوه داخل برميل حتى ميدان عام

وقالوا: انزل هنا

وغابوا في غمضة عين.

في أول حلم رأى قطعة الطين

تسقط من ارتفاع غير مسبوق

وعندما ارتطمت بالبحيرة انتفض مذعوراً

طال نومه أكثر حتى غاص في البحيرة

يبقبق و يصعد إلى السطح

وكانت النهاية دائماً مع خمسة أصابع

تجذب قميصه المبلول

على الرجال الذين تعدوا الثلاثين ألا يحلموا كثيراً

يكفيهم مشهد واحد يعرض كل ليلة

هذا إن استطاعوا تفسيره بدقة

على ضوء أيامهم الضائعة في العمل و الهذيان.

المدن يمكن عبورها

التلال و الصحاري و الأرياف كلها يمكن عبورها

الطريق إليها هو الأهم حتى لو وجدت فيه آخرين

يمكن دائماً التخلص منهم

ردمهم داخل قبور كبيرة

تعلو المدينة أو تنخفض عنها

حتى لو كانوا كذابين

وحاملي مسدسات.

كثيرون انفجرت أمعاؤهم قبل أن يصلوا

وقفوا على الرصيف

تهشمت جماجمهم

وخرجت دماء تحب الأرض كثيراً أن تشربها

الأرض ليست سيئة تماما

لكنها عطشانة ياصديقي

ونحن الكائنات التي تدب فوقها من آلاف الأعوام

علينا أن ننعشها

أن نقدم لها دماءنا وعظامنا

مخلفات جنسنا الرائعة.

الميدان كبر كثيراً

و المقاعد الخشبية ازدادت خشونة.

فتح واحد من الناحية الأخرى الرصاص

سقط العشرات

جاءت شاحنة و التقطتهم برافعة جانبية

الباقون في الميدان تثاءبوا

وعلى الشاشة

العملاقة المعلقة على مبنى يرفع آلاف

الأمتار

كُتب بلون وردي:

صباح الخير.

……………

اقرأ عن الديوان

***

وردات في الرأس: استثمار السرد في القصيدة

وائل مختار


“وردات في الرأس” لأحمد يماني. خذوا قلبنا الى المياه العميقة

عماد فؤاد

البحث عن الشعر في التفاصيل الصغيرة للحياة المعاصرة

ربا الحايك

أحمد يماني يمضي بمحاذاة بحر لا ينتهي.. قصائد كأنها الفجائع المتوالية

محمد مهدي حميدة