تحت شجرة العائلة
ديسمبر 9, 2017منتصف الحجرات
ديسمبر 9, 2017
هواء توقف أمام البيت
في الصبح
أستقبل الهواء خارج المنزل.
أضع قلبي على كفي
يلمحني الأطفال القدامي
الذين دحرجوني خارج الملعب
لألم الكرات الطائشة
يفتحون شفاها
وبمقصات قصيرة
يصنعون غلافا بلاستيكيا لقلبي
ويغلقونه على موتهم
وأغلقه على محبتي
لكن قلبي لم ينمُ أكثر من ذلك
ظل في حجم قبضتي
وظللتُ في حجم عملة معدنية
رماها واحد منهم في شارع جانبي.
………..
أنا
كثير من الناس
حدثوني عن نفسي
صنعوا ملاقيط كبيرة لالتقاط شوائب روحي
جعلوني قديسا أو تافها أو حتى مجرد عبقري صغير
صنعوا كل شئ لأكون خارج غرفتي
وضعوني في أسانسير مظلم
وحركوني صعودا وهبوطا
دون أن أفهم لماذا أحببت
رطوبة هذا المكان وظلامه
لماذا لم أختف من المبنى كلية
وأبتسم لنفسي في مرآة الحمام
أي حمام.
.
اقتربي مني أيتها الغرفة،
ضعي السلالم ترفعنيب سريعا إليك
نبهي نوافذ البيت أن تستقبل الشمس
وأن تخصك بكميات وافرة
زحزحي سريرك بعيدا عن الحائط
واجعليه يحنو على عظام ظهري.
اجعلي حوائطك تنمو
وتجتذب مساحات أخرى من البيت
اجعلي البلاط قطارا
أتجول بين عرباته
ويلفح الهواء نصف وجهي.
اجعلي تحت الشماعة
حديقة كبيرة واملئيها
بألعاب خشبية
وأطفال يجرون
واجعليها تطل على بحر كبير
يملأ عينيّ بماءه المالح،
أسقط فيه بولي
ورغبتي الشديدة في مغادرة العالم.
نادي مكتبتك التي تحمل آلاف الأفكار
أن تتسرب في مسامي
ضعي كميات
من السجائر والبيرة خلف بابك،
واجعلي قلمك قاتم الحبر لتنتشر
على جدرانك كلمات الحكمة والكآبة.
.
لابد أنك تملكين كثيرا من المساحيق
لتجميل الأرواح المشوهة
انثريها فوقي
وفوق كل واحد يحتمي فيك
ولا تنسي أن تعيريني حبك
بين وقت وآخر
لنبقَ معا زوجين مرفهين
ولتتسرب حيواناتي المنوية إلى سقفك
حماية من الشمس
ولتؤرجحيني، تؤرجحيني.
.
أيتها الحبيبة
إنك بجدرانك الأربعة
وأرضيتك الباردة
خير حافظة لآلام ساكنيك
وحيث تحولك إلى ثلاجة كبيرة
لا يعني أبدا برودة مشاعرك
وإنما يعني أكثر
أنك تتقدمين كثيرا
على معظم أصدقائي
في تفهم العادة اليومية
للبكاء الداخلي.
لابد وأنك تأخذين مكانا منزويا من البيت،
حيث تقعين في أقصى يمينه،
تشعرين باستمتاع أشد
لان لا غرف تشبهك،
وحيث ترقبين من نافذتك
كل الخطوات، وكل تعاسات الحوار
الذي يتبادله الجيران،
وحيث تدركين أن الحوار الحقيقي
بين الأموات لم يبدأ بعد.
وتكونين ضد إحساسك بالوحدة
كطريق ترغبين في رسمه،
كطريق يخص أقدامك.
لتكوني مباركة بأنفاسي
أيتها الصديقة،
أنا أكتشفك الآن
ولتعذري عمائي طوال الأعوام السابقة،
ضدًا لسكون الروح
وتمنية لعجائن البشر،
موجة تتآكل
لكنها تظل موجة
حتى لو ماتت آلاف المرات.
.
عندما تموت أمي
ستبقى دموعي معلقة
بين غرفتها وغرفتي،
وأنا محني على جسدها
أتأمل سيقانها التي أكلها الروماتويد،
وأشرب الحنان من حلمتها القوية
عندها سيختفي صوتها من الدولاب
ومن حلل المطبخ
وستبقى رائحة ملابسها،
والسجادة التي عبدت عليها الله
لأكثر من خمسين عاما.
لن أبكي كثيرا
سأختار في هذه الأوقات
أن أؤسس لأم جديدة
لا تنتظر مصيرا أسود
ستكون مفكوكة من طيبتها،
وعندما أفشل في النمو داخلها من البداية
عندما أفشل في ذلك تماما
سأسقط الأمومة من حساباتي،
سأراها كلمبة معلقة في الحمّام
حيث وحدتي الأولى،
حتى أول حذاء اشترته لي
سأنسى لونه
وأنسى أنني لبست حذاء جديدا
يوما ما،
سأنسى اجتهادي الدائم
في اختيار كلمات مناسبة
لتطرب أذنيها
وأن الصراع الذي حكمنا سيسقط بالتقادم.
عندما سأعود في آخر الليل،
سيكون لآلامي معنى الحركة والسكون
سأضع بجانبها كل وساخات الحياة
وشرور أصدقائي
وأغلق القبر كاحتفال أخير بالهدوء
ساعتها فقط
سأبخّ الحنان والتهاب الوجه
والتفاصيل الدقيقة لأية عملية جنسية.
.
تبادلت مص سيجارة واحدة مع أبي
أخبرني أنه فعل ذلك أيضا مع أبيه
واستنتجت أن خيطا من الحنان
يسري في عروقي.
في الشارع
اكتشفت الهواء الذي يحيطني
وأنني مهما أرسلت ذراعي عاليا
فالهواء يغلفهما،
طولي يجعل البشر قريبين من عيني
اجتهدت أن تكون قامتي قادرة
على كشف عروق الحنان
التي تنفر في وجوه العابرين.
.
عندما رأيتك اليوم
كانت قدرتي ضعيفة
وتحيرت في وجهك الساكن
بعد سنتين من انفصال أرواحنا،
لا أعتقد أن جسدينا كانا يؤمنان بالتقائهما
لذلك لم يكن سوى الروح
لكي نخفق أيضا في تلمس أطرافها.
لابد أن الحنان تسرب مني،
بعضه وقع في حديقة عامة
تتناسب فيها مساحات الشمس والظلال،
وتلهو فيها فتيات يكبرنني قليلا
ويبتسمن لي كذكر هائج.
بعضه سقط مني
عندما اشترى لي أبي قميصا
وأنا في الثانية عشرة، حزني الغامض،
الطريق الذي سرنا فيه، قامته المناسبة لتعليق ذراعي.
بعضه تسرب بين عشرة أصدقاء،
حاول كل منهم أن يحتفظ بنصيبه
ففروا جميعا.
.
في شتاء بعيد،
كانت الأشجار بلا ورقة واحدة،
كنا في طريق المعسكر
كل شجرة وراء أختها
في طابور منظم.
أمي الشابة
أخذت تجمع الفروع الساقطة
لإشعال فرن الخبيز
ورائحة الدخان ستكون في البيت
كما في الشارع.
لم يحدث شيء هام أبدا،
الدخان نفسه،
الأم نفسها،
الحنان نفسه
الذي غادرني سريعا
بلا أية إشارة لعودته.
.
احترق منزلنا…
السجاجيد تطير مشتعلة.
بعض الأفكار أيضا طاردتني في الصباح وهربت.
فقط دخان كثيف
والعائلة تختنق فعلا.
اقتربت من وجه أبي المتفحم،
أزحت النيران من طرف جلبابه،
مددت يدي لأمسح دموعه
فاصطدمت ببكاء أمي.
لا أحد معنا –نحن الثلاثة-
في هذا الجو الحار،
نبحث عن شيء ناقص وسط كمال الحريق
يظهر لنا كذكريات متداخلة
لا نستطيع فكها.
المنزل يذوب كأي شمعة
ولا ننوي أن نطفئه،
ثمة رغبة أكيدة في إتمام انهياره.
أبي وأمي ذهبا
أكلتهما النيران
وأنا الآن حر تماما،
لا حنين يدفعني إلى تفقد أيامي
والوقوف مندهشا أمام صبيانتي
وجرأتي القديمة.
لا شيء سوى قش تحت جلدي
كراهية شديدة… محبة شديدة
سيارات الإطفاء لم نحبها
لذلك تركنا المنزل مضاء لساعة.
ضوء كامل… فناء كامل.
لم تكن غرفتي دافئة بما يكفي،
لم تشعلها أنفاس امرأة
لها فخذان حقيقيان.
ربما حيواناتي انطلقت إلى طريق مفتوح،
وصنعت بركة كبيرة
لذلك لابد أن توجد النيران
لتدفئة الغرفة، وتبخير البركة.
ربما في هذا الثالوث المقدس
كان الأب والأم بعيدين عن اكتشاف اللحظات
التي تعقب انتهاء الدورة الشهرية وجفاف الخصيتين.
كانت أوراق كثيرة في المنزل
تستحق أن تُحرق
وكنت دفعتها لتكون شاهدة على اكتشاف اللغة
كموصل جيد للعاطفة، وأشياء لم أفهمها مبكرا.
قد تكون الثعابين المختبئة
في حجارة البيت
لها فرصة أخرى للحياة.
احترق منزلنا…
الأبواب لم تعد تقفل على شيء،
السقف سيغطي هواء من الذكريات
وفي هذه الشساعة
لن تكون للساعة أية فائدة
حيث سأعرف الوقت عندما أنظر إلى نفسي.
العراء خارج المنزل
يشبه إصابتك بلاصداع.
المنزل
النيران
الموت
أنا أختفي في قلب العالم.
……………..
شروط المحبة
أعرف جيدا أنه سقطت فوقك صفيحة من المياه، في أول مرة تدخل فيها إلى هذا الشارع، وأنك كدت تسقط في حفرة عميقة لأسلاك التليفون، وبينما تنجو من كل مصيبة دون خسائر كبيرة، كان عشرة رجال يشكلون دائرة حولك ويضحكون، كان بنطلونك الكاروهات رِجل الفيل وجزمتك بارتفاعها 7 سم وقامتك القصيرة جدا كأنك قزم يعمل في إصلاح السيارات، كل ذلك لم يرد في ذهنك وانتظرت أن تفتح الدائرة وتخرج.
وعندما مرت ساعات طويلة وأنت في مكانك هذا، انتظرت أن تصطدم عيناك الجريحتان بعين واحد منهم يستطيع فقط أن يرى قوة مشاعرك، ويمكن أن ينقلك بأصابعه خارج التجمع، ولأنك لم تؤمن بالصراع إلا كطريق أخير، ولأنك تريد فعلا تجاوز ثنائية الخير والشر، فلم تر شيئا مهينا أن يمنعك أحدهم من المرور، لذلك لم ترفع صوتك، وراهنت أنهم في يوم قادم عندما يتعبون من وقفتهم تلك، ربما سيفسحون لك مكانا، ولأن بولك كان محتبسا وكانت الدائرة تضيق، والرجال يتلاصقون ويزداون تقاربا، فقد كان يجب أن تبتل ملابسك الداخلية، ومع كمية المياه الأولى التي سقطت فوقك لم يتبين أحد أنك تبول.
أعرف أنك فعلت شيئا محددا، أنك نمت وسط الدائرة واستطعت أن تتخيل أن البيوت المتراصة على جانبيك لا تحمل لك أي شر، وأنه يمكن أن توجد امرأة الآن مختبئة وراء الشباك، تتعاطف معك وتمنحك نظرة تدوم إلى الموت (لماذا كان يجب أن تتصور ذلك؟) وأنك انطلقت إلى حديقة وعندما عدت كانت الأنوار مطفأة والأحذية الثقيلة أصبحت سريرا جميلا يمكنك صنع حياتك داخله، ولأن نقطة الدم التي نزلت من أنفك كانت قريبة جدا، فقط آثرت أن تخفيها عن أعين الرجال وأسقطتها في فمك، وأخرجت بعض وساخات أنفك ودهنت بها أحذيتهم، وجاءت عربات النظافة ورشت الشارع بهدوء، واصبح البلل هو السمة الأساسية لهذا العصر، وأن الخجل الذي تشعر به الآن من هؤلاء القوم الساهرين على راحتك، شيء عادي أن يقدمه الواحد لأخيه.
أعرف جيدا أنه في يوم ستتحول كل هذه الأرجل المتشابكة حولك إلى عظام هشة يمكنك أن تفركها بسهولة، وتصنع منها حجابا تعلقه فوق صدرك، وساعتها ستصبح كل الدوائر مجرد ذكريات تتبعثر داخلك، تلمها كالنقود وتشتري حذاء مناسبا لقدميك وبنطلونا لا يكون مثيرا للاشمئزاز وربما طالت قامتك أيضا وأصبح الماء الذي سيسقط فوقك هو المتعة الحقيقية عندما تنزل إلى الشارع وتستقبل الشمس كأي مولود جديد.
……………..
يوتوبيا المقابر
1
جدران غير مطلية،
وأرضية مليئة بالحصى،
وعظام هشة لا تستطيع حتى أن تقف،
وعظامي أنا محشورة في الوسط.
أفكر في مظاهرة صغيرة،
للاحتجاج على الملائكة الذين منعوا
الكالسيوم اللازم لنا.
والله فوق الحفرة يمد ظلاله علينا،
ويتركنا نتأخر في النوم،
تسقط بقعة ضوء من بين يديه،
ويدخل جسد مظلم،
تجف البقعة،
ونتعرف على زميلنا الجديد
بقلب مفتوح،
ويعطينا السجائر بكرم زائد،
نحب صوته حين يهمهم من البداية:
ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟
2
لا أرداف هنا ،
ولا دماء،
كيف سأتخيل إذن شكل المرأة؟
وكيف يمكنني أن أحصل على استمناءات كافية؟
حتى الدموع التي سقطت من عيوننا
جفت هنا،
ولم يبق سوى هدوء قاتل،
وثعابين تعذبنا بصورتها
دون أن ننطق بحرف واحد.
الأرض واسعة حقا،
لكن ذلك لا يساعدنا بتاتا
على تنفس مستريح.
3
بصقت إلى أعلى،
فالتصق اللعاب بسقف المقبرة.
في جثث جيراني لمحت نظرات عطوفة،
وانفجرت الأمعاء كضحكة كبيرة.
بقايا الطعام صنعت دودا كثيرا
التهم دماءنا،
لكن عظامنا مازالت قوية.
انصرفت حبيبتي مع المشيعيين،
ولكن ما الذي سأفعله حقا بدموعها؟
هل ستخفف كرهي للغرف المغلقة؟
وهل الحقن المهدئة ستنفع في تخفيف الحرارة؟
والظلام الذي هبط علينا كدجاجة
ونحن لن نكون سوى موتى
يجيدون الثرثرة
والتبول مساء.
4
الصرخات التي أطلقناها قرب الفجر
لم يسمعها أحد
أصوات الكلاب في الخارج
تشعرنا بمودة.
نزحف لتتلامس عظامنا،
ونحب بعضنا أكثر
يحكي كل منا عن طفولته السوداء،
ونتبادل الضحك،
ولا نملك ساعة حائط
لنعرف متى تقوم الساعة.
5
أمي
أرجوك
عندما تعرفين أنني دخلت بيتي الجديد،
لا تبكِ
لأنني أريد أن أختزن عينيك للأيام القادمة.
كوني هادئة
وهزي رأسك ثلاث مرات،
وارسلي قبلة هوائية
وسأصخب مع أصدقائي هنا
وهم يهنئونني ببيتي الجديد،
وسأجعل الباب مواربا،
في انتظار قبلتك.
وعندما سيكون لك بيت جديد مثلي،
أرجوك أن يكون قريبا مني
حتى أسمع أنفاسك،
وأتنفس بلا ألم تقريبا
ويكون لموتي تلك الصورة النهائية
التي جاهدت كثيرا كي أصنعها.
6
في الحجرة المجاورة لنا،
والتي لا تفصلنا عنها سوى ستارة قماش
تتمدد النساء وقد خلعن أكفانهن،
وبقين بيضا جدا.
استطعنا بعد محاولات يائسة
أن نفتح خرما في الحاجز.
وقد انتصبت عظامنا فجأة
حين لمحنا أول امرأة تخلع ملابسها
وتضعها في ركن الحجرة.
في هذه الليلة،
حاولنا أن نمزق الستارة،
لكنها كانت تزداد قوة،
فاكتفينا بالفرجة على العظام البيضاء،
والتي مازالت حتى الان بعيدة عنا.
7
باب الغرفة مفتوح.
العائلة في الخارج نائمين تماما.
خطوات عسكرية فوق رؤوسنا،
سيهدمون بيوتنا لإقامة كوبري علوي.
سنبكي من أصدقائنا،
ونضع الكتب تحت المخدات،
نبتسم لذكرياتنا التافهة،
وللعاطفة التي تجف شيئا فشيئا.
8
أغلقوا المكان جيدا،
وألقوا المفاتيح في جوف الحفار.
لماذا تتركوننا على أطراف المدن؟
يجب أن نكون معا
عندما تسقط الأمطار،
وأن نغني تحتها،
ويمكننا أن نتحدث عن عربات
سارت بنا في طرق طويلة، وعادت بدوننا.
لكن الدموع التي تجمعت فيها
كانت كافية لتبلل عظامنا
ولم نجد ثقابا للتدفئة.
وعندما تسلل واحد منا لسرقة الكبريت
أضأنا المقبرة،
وأضاءت نصف المقابر في العالم ثلاثة أيام،
بعدها تقيأ الحفار
ومررنا في طابور منظم
نغني جميعا عن البعوض الذي
ينام في آذاننا،
وعن طولنا الذي أثار المراهقات،
وعن الاستمناءات المتكررة
في برميل كبير يسمونه الحياة.
…………………
شوارع الأبيض والأسود
انطفأ النور في سماء القاهرة،
رجل أعمى يصطدم في سور الكوبري المعدني
فتلطخه البوية الخضراء.
البوية لا تظهر في الظلام،
لكنه يستشعر رخاوتها على جلده،
فيسقط في النيل.
صدمتني سيارتان،
إحداهما تسير في اتجاه معاكس،
فانحشرت في الوسط،
ولم تخرج الدماء من رأسي.
.
أنا هنا تحت العربات،
في منزل صغير يحوط أضلاعي.
نملة تقفز فجأة
وتقرصني في ذراعي الأيمن فأتأوه.
.
خراطيم المياه تطفئ حريق السيارتين،
الحريق رمادي داكن،
الماء يصدمني ولا أحد يراني.
أخرج من تحت العجلات ،
مرتديا السموكن،
ومتوجها لدار الأوبرا القديمة،
سيارتي الرولزرويس تنقط عليها الأمطار،
الموسيقى صاخبة هذه الليلة،
وأنا أحتاج أن أرقص مع فتاة شاحبة.
أقود السيارة في اتجاه كلوت بك،
ثم أتركها وأركب عربة كارو
على كوبري أبو العلا
مع مجموعة من النساء ذاهبات للقرافة،
أنام على فخذ إحداهن،
وأصحو مبللا.
البوليس يطاردني في مظاهرات الطلبة،
أجري لأختبئ تحت السيارتين
وبلا دماء هذه المرة أيضا.
.
السيارتان اختفتا في حفرة كبيرة،
أقفز وراءهما،
فأسقط في مأتم كبير،
أسلم على كل الحاضرين وأضحك،
رجل لا يحبني يربط يدي اليمنى بسلسلة
يدفعها إلى الجميع واحدا فواحدا.
نعش الميت طار مسرعا إلى القبر.
بائع الكفن والممرضة وحارس المقبرة
وعائلته، أبناء الميت والجيران،
في صورة تذكارية على شرف الفقيد
وأنا أمامهم في جلباب أبيض
ممسكا بالكاميرا.
الرجل يترك السلسلة ليبكي،
تسقط السيجارة من فمي على السجاد
فيحترق المأتم.
أجري هاربا،
وحاملا طفلا على ظهري،
كان يبكي وحيدا،
الطفل لا يكف عن البكاء،
أضغط على جبهته فيكف،
أضغط ثانية فيعاود البكاء،
الطفل بعينينه اللامعتين
وانفعال واحد مثبت على وجهه
خلال أربع ساعات
يسقط مني وأنا أجري
فيشتعل بعد انفجار بسيط.
أفي هذه المزارع أمر لأول مرة
مخلفا ورائي جريمة قتل؟
فمن سيحرق بصماتي،
أو يغرق هذه الحقول بعدي؟
الطفل الميت يحتل مساحة كبيرة من الأرض،
عيناه الزرقاوان
على بعد 30 مترا من نقطة الانفجار،
وحذاؤه الأسود معلق في فرع شجرة،
يده المعدنية تسيح ببطء.
ولا تخرج الدماء من رأسه
ابعثوا بعلبة ألوان جديدة
لنلون عينيه ولسانه وشفتيه،
ونرفعه علما فوق الحقول.
وإذ تبدو الليلة صافية،
والقمر على وشك إضاءة كاملة،
تمر قافلة من الإبل،
أتعلق في مؤخرتها
وعلى مقهى بعيد لا أعرفه أجلس.
عشرون ملعقة تدور في الأكواب
في وقت واحد،
ولا أصوات أكثر من ذلك.
تدخل امرأة مثبتتة نظرتها على عضوي مباشرة
أبدأ في خلع ملابسي أمام الجميع،
نئن سويا في ركن مكشوف من المقهى
وتخرج المرأة ولا تظهر في الظلام ثانية.
.
لابد أن انقطاع النور،
وعدم التأكد من وجود الشمع
في حوزتنا دائما،
والحرارة التي لا نعرف مصدرها،
ونظارات أصدقائي غير المهمة،
والطرق المقفلة على ساكنيها
والنوافذ التي لم تعد ترى،
كل هذه ساعد على تمرير الكلام فوق رؤوسنا
ونحن نتحدث لساعات
حتى تجف حلوقنا
الكلام الذي يخرج دون أن ننتبه لمعناه
الكلام القوي نتكلمه لساعات
حتى يفتح الباب فجأة،
أو تصطدم سيارتان في الشارع
أو تنز الحنفية
نقطة نقطة
فننام على صوتها.
………………….
93-94
……………
اقرأ أيضاً عن الديوان
***
كاظم جهاد
شريف الشافعي
كريم عبد السلام
أمجد ريان